بقلم: عصام نعمة إسماعيل
استاذ القانون الإداري والدستوري في الجامعة اللبنانية
تضمّن جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد يوم الاثنين 6/10/2025 طلباً مقدّما من وزارة الداخلية والبلديات بحل جمعية "الجمعية اللبنانية للفنون- رسالات" وسحب العلم والخبر منها لمخالفتها كتاب محافظ بيروت رقم 3681/ب تاريخ 24/9/2025 ومخالفتها لنظامها الداخلي والموجب التي التزمت بها عند طلبها العلم والخبر إضافة إلى مخالفتها القوانين التي ترعى الأملاك العمومية والتعديّ عليه واستعمالها لغير الغاية المخصصة لها ولغايات تمسّ بالنظام العام دون ترخيص أو موافقة مسبقة.
دون الدخول في نقاشٍ حول الأسباب الواردة في كتاب وزارة الداخلية والبلديات والتي لا يستدعي أياً منها اصدار مرسوم الحل، أي أن قرار الحل في حال اتخاذه سيكون مبنياً على أسبابٍ غير صحيحة أو على الأقل لا تعتبر مخالفات جسيمة تبرر العقوبة القاسية المطلوب فرضها عليها والمتمثلة بانهاء وجود الجمعية القانوني.
فإن ما يعنياً في هذا التعليق المقتضب، هو الإشارة إلى وجود مخالفة لأصولٍ جوهرية لم يصار إلى مراعاتها أو التنبه لها، وهي الآتية:
1- إن طلب وزارة الداخلية حسبما يتبّين من مندرجاته مبني على تعميم صادر عن رئيس الحكومة يحمل الرقم 36 تاريخ 22/9/2025 والمنشور في الجريدة الرسمية عدد يوم الخميس تاريخ 25/9/2025، إن هذا التعميم ذو الطابع التظيمي لفرضه موجبات على المواطنين وتقييدهم بالحصول على ترخيص غير واردة في القانون ولم يستشار بشأنه مجلس شورى الدولة كما يوجب القانون، فإن هذا التعميم لم يحدد تاريخ نفاذه لذا فإنه يصبح نافذاً في اليوم الثامن من نشره في الجريدة الرسمية وذلك عملاً بأحكام المرسوم الاشتراعي رقم 9 تاريخ 21/11/1939 الرامي إلى تعيين الموعد الذي تصبح فيه القوانين والمراسيم نافذة. وإذا ما تجاهلتهم هذا القانون فالقاعدة العالمية أن النص الذي يعمل به فور نشره في الجريدة الرسمية فإن سريانه يبدأ في اليوم التالي لواقعة النشر، وبكلا الحالتين فإن الاحتفال الحاصل يوم 25/9/2025 إنما جرى تنفيذه قبل دخول هذا التعميم حيّز التنفيذ من الناحية القانونية ولا تلزم الجمعية بالتقيّد بأحكامه.
2- إن الحق في التجمع المكفول دستورياً لا زال منظماَ بالقانون العثماني المسمى قانون الاجتماعات العمومية تاريخ 9/6/1909 والذي تعرض لبعض التعديلات لا سيما التعديل الحاصل في 4/6/1931 و28/9/1932 أيام الانتداب الفرنسي. وقد اشترط القانون للاجتماع العام ثلاثة شروط، وهي : إبلاغ الحكومة، وعدم حمل السلاح، والغاية المباحة، ولم يشترط هذا القانون الحصول على رخصة للاجتماع، حيث نصّت المادة الأولى منه:" يباح للعثمانيين عقد الاجتماعات العمومية على ان يكونوا عزلا من السلاح. ولا حاجة الى نيل الرخصة"، واشترط هذا القانون أن يُصاغ قبل عقد الاجتماع بياناً يذكر فيه محل ويوم وساعة الاجتماع وتوقيع من قبل شخصين على الأقل، ويقدم البيان إلى المحافظ أو ويعطى مقابله إيصال (علم وخبر) حالاً أو ينظم محضر في المحافظة بذلك، ولهذا فإن ما صدر عن محافظ مدينة بيروت ليس ترخيصاً للجمعية وإنما كتاب موجه إلى قيادة شرطة مدينة بيروت يعلمهم به بزمان ومكان الاجتماع، ولم يكن جائزاً له تحديد شروط على هذا الاجتماع ولا فرض تطبيق تعميم رئيس الحكومة لأنه لم يكن بتاريخ تنظيم الاجتماع قد دخل حيّز التنفيذ، ولا نعلم ما إذا كانت الجمعية قد تبلغت أصلاً كتاب المحافظ الموجه إلى قيادة شرطة بيروت. ولهذا لا يصحّ إخضاع الجمعية لموجبات ترخيص بالتجمع غير منصوص عنه في القانون ولا مأذون أصلاً للمحافظة باتخاذ هذا التدبير، إذ لو تبيّن للإدارة أن هناك خشية من إخلال بالنظام العام هنا وعملاً بالتعديلات العائدة للعام 1931 على قانون الاجتماعات العمومية يجوز للحكومة منع الاجتماع حتى ولو اكتملت الشروط المفروضة. وحيث أن مجلس الوزراء لمن يتخذ أي قرار بمنع التجمع فإن أي تدبير يصدر من جهاتٍ أخرى يكون صادراً عن مرجع غير مختص قانوناً، ولا يمكن ملاحقة الجمعية المنظمة لتجمّع تمّ أصولاً تقديم بيان العمل والخبر قبل حصوله.
3- إن من واجب مجلس الوزراء قبل البحث في مسألة حل جمعية رسالات أن يمنح هذه الجمعية حق الدفاع ، وهذا ما استقرّ عليه اجتهاد القضاء الإداري أن عندما تتخذ الادارة تدابير جسيمة تمس بالوضع القانوني للمعنيين بها وتتعرض للحريات العامة الأساسية ، فيتوجب عليها أن تبلغ أصحاب العلاقة بمآخذها ليتمكنوا من تقديم دفاعهم بوجهها وبالتالي يدخل هذا الاجراء في اطار ضمانات حق الدفاع، فإذا لم تراع الإدارة حق الدفاع فان مرسوم الحل المطعون فيه والصادر دون احترام حق الدفاع الذي يُعتبر من الاصول الجوهرية الواجب اتباعها، يكون متجاوزاً لحد السلطة ومستوجباً بالتالي الابطال (م.ش. قرار رقم 187/2007-2008 تاريخ 29/11/2007 رقم المراجعة 11336/2003 العميد الركن المتقاعد ابو مراد/الدولة – وزارة الداخلية والبلديات وأيضاً: القرار رقم 29/2004-2005 تاريخ 14/10/2004 رقم المراجعة 10941/2002 الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك للرجال – طرابلس / الدولة – وزارة الداخلية والبلديات).
وحيث أن الموضوع المطروح أمام مجلس الوزراء مشوب بإشكاليات جوهرية، فإن على هذا المجلس أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار، لا سيما وأنه مجتمعاً يمثّل السلطة التنفيذية المؤتمنة على تنفيذ القانون، فلا يتخذ أي قرار إذا تبيّن أنه مشوب بتجاوز لأحكام القوانين المرعية الإجراء.